يتردد في ذهني سؤال دائم الحضور: كيف ستنتهي اسرائيل ؟
وعند محاولة الإجابة عن هذا السؤال، أسترجع تجربة الاتحاد السوفيتي، متأملا في الكيفية التي تهاوت بها إمبراطورية عظمى بين ليلة وضحاها.
♘هل كان الانهيار نتيجة سكتة قلبية مفاجئة أم أن السرطان كان ينهش في جسدها ببطء على مدى عقود؟ ربما كان الانهيار خليطا من الاثنين، حيث أدرك النظام السوفيتي في لحظة ما أن جسده الهائل لم يعد يملك الروح التي تبعث فيه الحياة، وأن أوهام الأيديولوجية الموروثة كانت تغذي دماغا مثقلا بخرافات الشيوعية ودوامات الفودكا.
♘في تلك اللحظة الحاسمة، تهاوت عضلاته المصطنعة التي كانت تبدو قوية. التي كانت في واقع الأمر مجرد قشرة هشة تخفي ضعفا متفاقما. وفجأة، استيقظ العالم على خبر انهيار الاتحاد السوفيتي، وكأنه لم يكن إلا سرابا تلاشى في الهواء.
إسرائيل: القشرة الهشة عندما ننظر إلى إسرائيل، نجد أن وضعها قد يكون مختلفا في بعض الجوانب. لكنه يحمل تشابها من حيث التآكل الداخلي البطيء.
إسرائيل اليوم تعتمد على خليط من الأيديولوجيات التلمودية وخرافات الصهيونية لتبرير وجودها وتوسعاتها، لكنها تواجه في الوقت ذاته تأثيرات سلبية متراكمة بفعل انقسامات داخلية آخذة في الاتساع. ♘ يبدو الوضع أشبه بسرطان ينهش جسد الدولة من الداخل؛ حيث بدأت خلاياها بالتفكك وتمزيق بعضها البعض، في حين تتفاقم الصراعات الداخلية بلا هوادة. كل ما تحتاجه إسرائيل اليوم هو فترة من الهدوء بعد ضغوط رهيبة، لتكتشف أنها قد تواجه انهيارا مفاجئا من الداخل، وكأنها لم تكن يوما موجودة.
مقاربة مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لعل من المهم عند التفكير في مستقبل إسرائيل
أن نستحضر تجربة جنوب إفريقيا مع نظام الفصل العنصري، الذي، رغم قوته النووية ودعمه الغربي، انهار فجأة بعد عقود من القمع.
♘ إن التشابه بين النظامين يكمن في اعتمادهما على أيديولوجية متعصبة لتبرير القمع والهيمنة على شعوب مضطهدة. وكما اعتمد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على العنصرية المؤسسية والقوانين القمعية لضمان بقائه، تعتمد إسرائيل على ممارسا1تها القمعية تجاه الفلسطينيين وتوسعاتها الاستيطانية.
♘ غير أن هذه الأنظمة ليست بمنأى عن الصراعات الداخلية، ففي جنوب إفريقيا، بدأت الانقسامات تتزايد داخل المجتمع الأبيض نفسه، مما أسهم في تزايد الاعتراضات على السياسات العنصرية. إسرائيل تواجه تحديات مشابهة، حيث تتزايد الانقسامات بين اليمين المتطرف والعلمانيين، وبين المتدينين والليبراليين، في مجتمع يعيش تحت تهديد دائم من الصراعات العرقية والدينية.
الضغوط الدولية: العقوبات والعزلة
إن العامل الدولي كان حاسما في إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. العقوبات الاقتصادية، الضغط الدبلوماسي، وحملات المقاطعة الدولية كلها عوامل ساهمت في إضعاف النظام حتى أصبح غير قادر على الصمود.
إسرائيل، على الرغم من قوتها العسكرية والاقتصادية، بدأت تشعر بعزلة متزايدة على الصعيد الدولي، خاصة مع تصاعد الانتقادات لانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان وتجاهلها للقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. ♘الباحث الجنوب أفريقي، ألفريد نزوما، يؤكد أن التشابه بين الحالتين ليس فقط في آليات القمع، بل أيضا في ردود الفعل الدولية. وكما تخلت الدول الغربية في النهاية عن دعمها لنظام الفصل العنصري تحت الضغط الشعبي والدولي، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة مماثلة إذا استمر الوضع الحالي.
نهاية محتملة: انهيار من الداخل أم تحول قسري؟
كما انهار نظام الفصل العنصري بعد عقود من السيطرة القمعية، قد تجد إسرائيل نفسها أمام نهاية مشابهة. يرى جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، أن إسرائيل تعيش حالة من التوتر المتزايد بين ديمقراطيتها المعلنة وطبيعتها كدولة يهودية، والتي تفرض على الفلسطينيين داخل حدودها وخارجها حالة من القمع والتمييز المستمر. هذه التناقضات، إذا لم تُحل، قد تؤدي إلى انهيار داخلي للنظام.
♘ميرشايمر، المعروف بنظريته حول الواقعية الهجومية، يحذر من أن استمرار إسرائيل في سياساتها الحالية قد يجعلها عرضة لتحولات قسرية نتيجة ضغوط داخلية وخارجية، تماما كما حدث مع أنظمة أخرى اعتمدت على القوة والقمع للحفاظ على سيطرتها.
♘من جانبه، يشير جيفري ساكس، خبير التنمية المستدامة الأمريكي، إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي قوي، لكنه يعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي وعلى علاقات دولية مستقرة. إذا استمر الوضع الحالي، ومع تزايد الضغوط الدولية والعزلة المتزايدة، قد تواجه إسرائيل أزمات اقتصادية تؤدي إلى تآكل قدرتها على الحفاظ على وضعها الحالي. ويضيف ساكس أن الانقسامات الاجتماعية المتزايدة، جنبا إلى جنب مع عدم الاستقرار السياسي، قد يؤديان إلى انهيار داخلي تدريجي..
حيث تبدأ القطاعات المختلفة من المجتمع الإسرائيلي بفقدان الثقة في النظام.
رؤية من الداخل الإسرائيلي من داخل إسرائيل
يعبر يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام (الشاباك)، عن مخاوفه من أن الخطر الأكبر على إسرائيل ليس من الخارج، بل من الداخل. التوترات الاجتماعية والسياسية المتزايدة، إلى جانب الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار، والدينيين والعلمانيين، قد تقود إلى تفكك داخلي.
ديسكين يرى أن “إسرائيل قد تواجه في المستقبل وضعا يشبه ما حدث في جنوب إفريقيا، حيث تجد نفسها مضطرة للتغيير القسري نتيجة لتآكل الشرعية الداخلية والعزلة الدولية.
أما شالوم ليبنر، الباحث الإسرائيلي، فيرى أن الإشكالية الأساسية تكمن في استمرار إسرائيل في تجاهل جذور الصراع مع الفلسطينيين، مما يزيد من احتمالات تصاعد العنف والتوترات. في النهاية، قد تجد إسرائيل نفسها أمام خيارين: إما الانهيار من الداخل نتيجة للانقسامات الاجتماعية والضغوط الاقتصادية، أو التغيير القسري تحت وطأة الضغوط الدولية، كما حدث في جنوب إفريقيا
تحديات التماسك الاجتماعي والديموغراف
يإفرايم يعاري، أستاذ علم الاجتماع، يعبر عن قلقه بشأن التفكك الاجتماعي المتزايد في إسرائيل، مؤكدا أن النسيج الاجتماعي الإسرائيلي يواجه تحديات غير مسبوقة. الانقسامات بين اليهود الشرقيين والغربيين، وبين المتدينين والعلمانيين، أصبحت أكثر وضوحا وتعمقا.
يقول بأنه إذا لم تُتخذ خطوات جدية لمعالجة هذه الانقسامات، فقد نجد أنفسنا أمام مجتمع غير قادر على الحفاظ على تماسكه الداخلي، مما قد يؤدي في النهاية إلى انهيار الدولة من الداخل
من جانبه، يشير يسرائيل دريوري، عالم الاجتماع الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، إلى أن التحدي الديموغرافي الذي يواجه إسرائيل، خاصة في ضوء النمو السريع للجماعات الحريدية والزيادة السكانية الفلسطينية داخل إسرائيل نفسها، قد يؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة الدولة. هذا التغير الديموغرافي قد يؤدي إلى فقدان الأغلبية اليهودية في المستقبل، مما سيؤدي إلى توترات داخلية حادة وصراع على الهوية القومية للدولة، وبالتالي قد يسهم في انهيار النظام من الداخل.
التطرف واستقطاب المجتمع
يعبر إيلي بار-نافي، المحلل الاجتماعي الإسرائيلي، عن مخاوفه من تزايد التطرف السياسي والديني في المجتمع الإسرائيلي.
يقول بار-نافي ان التطرف المتزايد في المجتمع الإسرائيلي، سواء من اليمين أو اليسار، يؤدي إلى استقطاب حاد يهدد بتفجير الصراعات الداخلية. إذا استمرت هذه الاتجاهات دون ضبط، فقد يجد المجتمع الإسرائيلي نفسه على حافة انهيار داخلي، حيث تتفكك المؤسسات الديمقراطية وتضعف القدرة على الحفاظ على النظام الاجتماعي.
مستقبل غامض
مجمل هذه الآراء، سواء من علماء الاجتماع أو المحللين السياسيين والاقتصاديين، تشير إلى أن إسرائيل تواجه تحديات متعددة الأبعاد قد تدفعها نحو مستقبل غامض. سواء كان ذلك من خلال الضغوط الاقتصادية، أو الانقسامات الاجتماعية، أو التغيرات الديموغرافية، فإن الدولة الإسرائيلية قد تجد نفسها في مواجهة تحول قسري قد يفرضه الواقع الجديد. هذا التحول قد يكون نتيجة لضغوط خارجية وداخلية متزايدة، مما يضطر إسرائيل إلى إعادة النظر في سياساتها وهويتها قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة.