كفى بالموت واعظا…
ألم يقل الحكماء إن الموت ليس إلا جسرا يعبر الروح إلى بُعد آخر؟
ربما كان هذا الحديث أحد أنوار الحق التي أضاءت طريقي. لماذا أخاف من الدنيا، وهي زائلة، وأعظم ما يمكن أن أواجهه هو الموت، الذي لم يأتِ بعد؟ أليس الفناء جزءاً من سرّ الوجود؟
ما هو ذلك الخوف الذي يمكن أن يشلّ روحي، أو ذلك الفشل الذي يثقل كاهلي، مقارنةً بالفناء؟
الفناء الذي ليس نهاية، بل بداية جديدة، دورة من دورات الوجود التي تتجدد كنبع لا ينضب. وإن جاء، فأنا مُهيّأ له، بل أستقبله كصديق قديم.
كانت لدي عادة ألا أخرج من البيت إلا على وضوء، كأنني في كل لحظة أتهيأ للرحيل عن هذا العالم. حين تعيش وأنت دائم الوعي بأن كل خطوة قد تكون الأخيرة، يصبح كل خوف دنيوي تافهاً، مهما بلغ من القوة. لا شيء يُرهِبك وأنت تتأمل عيون ملك الموت بعين الرضا والطمأنينة،
لأنك تدرك أن كل لقاء به هو لقاء مع الحقيقة الكبرى، الحقيقة التي لا تخيف، بل تحتضن، تنقلنا من وهم هذا العالم إلى نور أعمق.
وما الخوف إلا وهم صنعته العقول، بينما الاستعداد للموت هو الاستعداد للحياة بكل عظمتها وحقائقها الخفية