أنا

د. صالح فايز

لقد كُتِب على حياتي أن أواجه الموت، لا مرة ولا مرتين، بل مرارا. ولدت في غزة، في قلب الصراع، حيث الحرب ليست مجرد كلمة..

 بل واقع يومي يفرض نفسه علي كل لحظة وكل نفس.

 في لحظات كهذه، يدرك الإنسان هشاشته، لكنه يدرك أيضا قوته الخفية. تلك القوة التي تجعل كل نَجاة خطوة نحو شيء أعظم.

رحلتي من الظل إلى النهار

منذ صغري، وأنا أعيش في عالم تتداخل فيه الأصوات – أصوات الطائرات وأصوات العقول. بينما كنت أهرب من أصوات القصف، كنت أهرب أيضا نحو صوت داخلي يدعوني للتعلم، للابتكار، ولإيجاد طرق جديدة لفهم العالم.

العالم من حولي كان مليئا بالتحديات، لكن داخلي كان مليئا بالأفكار والرؤى.

غادرت غزة بعد حرب 2014، ولكني حملت معها جزءا من روحي. انطلقت إلى إسبانيا لأستكمل دراستي، حيث حصلت على درجتي الماجستير في إدارة الأعمال وفي النانو تكنولوجي.

 هناك، بعيدا عن فزع الحرب مؤقتاً، وجدت نفسي أمام تحديات جديدة. تعلمت أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن النظم والعلوم و الاستراتيجيات ليست مجرد أدوات لحل المشكلات..

بل هي لغة لفهم الحياة بأكملها.

إن دراستي في مجال النانو تكنولوجي أعطتني رؤية جديدة للعالم؛ رؤية ترى في الأشياء الصغيرة جداً إمكانيات كبيرة. هذا العلم يعلمني أن العالم الذي يبدو بسيطاً ومعقداً في آن واحد، يمكن تفكيكه وفهمه بدقة إذا كانت لدينا الأدوات الصحيحة.

لكنه علمني أيضا أن العالم لا يعمل في عزلة؛ كل شيء متصل. وهذا الاتصال بين العلوم هو ما دفعني للتعمق في التنمية المستدامة.

التنمية المستدامة ليست مجرد تخصص بالنسبة لي، بل هي فلسفة. إنها الطريقة التي أرى بها العالم:


كيف يمكننا أن نبني مجتمعات تنمو دون أن تدمر نفسها أو محيطها؟

كيف يمكننا أن ندمج الاقتصاد، البيئة، والمجتمع في مسار واحد متوازن؟

لقد دفعتني هذه التساؤلات إلى أن أطور نفسي ليس فقط كطالب علم، بل كريادي وكشخص مبدع. شغفي الحقيقي يكمن في بناء الروابط بين ما يبدو غير مترابط.

في حياتي، وجدت أن أعظم الابتكارات تأتي من حيث لا يتوقع الناس. تماما كما أن أصغر جسيمات النانو تحمل إمكانيات هائلة، كذلك الأفكار البسيطة والمتداخلة يمكنها أن تحدث تغييرا كبيرا.

اليوم، أقف هنا لأقول إنني لم أكن فقط ناجيا من الحرب، بل صانعا لتجربة حياة مليئة بالإبداع والابتكار. ما أحمله من هذه التجربة هو شغف لا ينطفئ في العلوم المتداخلة، في ريادة الأعمال، وفي إيجاد طرق جديدة لجعل العالم مكانا أفضل.

رحلتي لم تنتهِ بعد، فهي ليست رحلة نحو هدف ثابت، بل نحو استكشاف دائم.

في كل يوم، أسعى لتعلم شيء جديد، لفهم شيء أعقد، ولإيجاد طرق تدمج بين المعرفة الأكاديمية والواقع المعاش. الحياة بالنسبة لي ليست مجرد سلسلة من الأحداث..

الحياة هي نظام متكامل من الفرص والاحتمالات.

Scroll to Top